الخميس, ديسمبر 26, 2024

الأكثر مشاهدة

خارطة التحالفات السياسية المقبلة في ظل التجاذبات الداخلية والتطورات الخارجية

الكاتب: محمد نعناع

منذ أول حكومة منتخبة تأسست في عراق ما بعد 2003 ومعادلة السلطة تبنى على ثلاثة اسس لا رابع لها، الاساس الأول: المحاصصة الطائفية، والاساس الثاني: تقاسم الموارد المالية، والاساس الثالث: مراعاة نفوذ الإرادات الخارجية، وهذه الاسس غير السرية، بل المعلنة حد التفاخر بها وليس الاعتراف فقط، هي من أبعدت الاستقرار السياسي والمجتمعي عن العراق، فلو تم تنحية المحاصصة الطائفية جانباً والاخذ بالاصول الديمقراطية، لتم استبدال الفاشل بالكفوء التكنوقراط، ولو تم التوزيع العادل للثروة بدلاً من تقاسم الموارد محاصصاتيا وحزبوياً لما استشرى الفساد، ولو قطعت الطبقة السياسية الحاكمة يد التدخلات الخارجية مبكراً لنمت الوطنية كبذرة صالحة تثمر فيما بعد دولة وطنية تحتكم الى الدستور والمؤسسات. ولكن ذلك كله لم يحصل بسبب سوء سلوك الطبقة السياسية التي حكمت العراق عن طريق الاستقطاب الطائفي والفساد والانحناء للارادات الخارجية.

في هذه الدراسة سنبين طبيعة العلاقات التحالفية المنشئة لمعادلة الحكم في العراق، ونستشرف التوجهات المقبلة للكيانات السياسية قبل عام تقريباً من الانتخابات البرلمانية العامة، وفي هذه المقدمة التوضيحية سنركز أولاً على أربعة مسائل تمهيدية، ثم ننطلق في عملية تفكيك وتحليل للمشهد العام، وتشخيص لخصوصيات المرحلة الحالية:_

المسألة الأولى: إن الإئتلاف الحاكم حالياً ، وهو (إئتلاف أدارة الدولة) متماسك شكلياً، والحقيقة انه ائتلاف مفكك تتنازعه توجهات متباينة وسلوكيات مفرقة، وسبب تماسكه الشكلي ان كل اطرافه تصلها حصصها المالية في أوقاتها المحددة، ولولا التقاسم المناصبي والمالي الذي تديره حكومة السوداني وقوى الاطار التنسيقي لما بقي هذا الائتلاف على وجه العملية السياسية. وهذا يعني ان انسجام الكتل السياسية في هذا إلائتلاف الحاكم ليس منشأه الرغبة في صناعة الاستقرار وتقوية مؤسسات الدولة، بل لتحقيقه لمصالحها الخاصة. 

المسألة الثانية: إن الاتفاقات السياسية بين الكتل المشكلة لمعادلة السلطة، إتفاقات هشة لا تفرض الاستقرار السياسي والمجتمعي، ولا تقوي مؤسسات الدولة، وأخرها إتفاق اكتوبر عام 2022 الذي تم تفريغه في البرنامج الحكومي والمنهاج الوزاري، وتم التصويت عليه في البرلمان مع منح الثقة لحكومة السوداني، وهذا الاتفاق أهدر فرصة الانسجام السياسي لاقرار أو تشريع قوانين مهمة كقانون النفط والغاز الذي ينتشل البلد من فوضى مستحكمة في قطاع النفط والطاقة.

المسألة الثالثة: إن المشكلات المزمنة المضعفة لحركة النظام السياسي ونموه ما زالت قائمة وشاخصة في قلب النظام السياسي ولم تتراجع أو يتم تطويقها تمهيداً للحد منها والقضاء عليها، كمشكلتي الفساد والترهل الوظيفي، وهما مشكلتان يتم الاستثمار بهما من قبل الاحزاب السياسية لاستمرار نفوذها، وهنا تبدو هذه المشاكل كمحركات ترفد نمو الاحزاب التقليدية وليست مشاكل يجب التخلص منها من اجل تقوية النظام السياسي وتطويره للوصول الى بناء دولة مقتدرة ذات هيبة تخدم جميع العراقيين.

المسألة الرابعة: إن التدخلات الخارجية ما زالت مؤثرة على نحو استراتيجي في بناء معادلة السلطة، وترفدها عوامل طائفية واجندات صراعية اقليمية ودولية، وهذه التدخلات تفرعت بشكل القى بظلاله على قبول المواطن العراقي لها، بل واسنادها ضد بلده تحت مبررات واهية منها عدم صلوحية النظام الحالي وعدم قدرته على بناء دولة قوية تخدم المواطنين، وهذا يعتبر كلمة حق يراد بها باطل، فبناء دولة عراقية وطنية يجب ان ينطلق من إرادة وطنية داخلية خالية من التأثير الخارجي، وهذا ما يجب ان تنتجه النخب المفكرة والمثقفة والشرائح البارزة في المجتمع العراقي.

هذه المسائل الأربعة يجب الانتباه لها أثناء قراءة توجهات الكيانات السياسية واستشراف تحالفاتها المقبلة، فبوجودها في أي عملية تحالف من اجل تشكيل نمط حكومي مقبل هذا يعني انه نمط محكوم عليه بالفشل، بل هو نمط هادر لثروات الشعب، ومن المحتمل انه مقدمة لنشوب أزمات كبيرة قد تؤدي الى الفوضى.

وبهذه اللحاظات الهامة ندخل في صلب الموضوع، والذي نبحثه يشتمل على موضوعات عدة ومنها:_

*الاستراتيجيات والمتغيرات

*مصير قوى الاطار التنسيقي

*موقف الكرد والسنة التحالفي في ضوء تطبيق الاتفاق السياسي والبرنامج الحكومي

*دور الحركة المدنية والاحزاب الناشئة في التأثير على الخارطة التحالفية

*تأثير العوامل الخارجية والفواعل الاقليمية على مجمل خارطة التحالفات السياسية

بالاضافة الى ملاحظات ختامية حول شكل العلاقات المثالية المطلوبة لتكوين تحالفات سياسية بناءة.

استراتيجيات القوى السياسية والمتغيرات المحتملة

لا يبدو ان الواقع السياسي يتوجه نحو انتاج استراتيجيات تحالفية جديدة، ولكن بالتأكيد سوف تكون هناك أساليب جديدة للاستقطاب والترويج الإعلامي، وعادةً ما تكون الجواذب الإنجازية مفقودة في المواسم الانتخابية، لان الإنجاز الحقيقي في مجالات الخدمات العامة مفقود أو لا يُلبي الطموح، وعادةً أيضاً ما يكتنف مسار تقديم الخدمات والقيام بمشاريع تنموية واقتصادية فساد مبالغ بهأوتضخم في الكُلف المالية، ولذلك يتم اللجوء إلى جواذب أكثر فاعلية منها كالشعارات الطائفية والمناطقية والرمزية، وهذه دوامات معتادة ومتكررة لم يخرج منها لا السياسي ولا المواطن طوال السنوات السابقة، فمثلاً دوامة الطائفية لا تنتهي إلا بالخروج منها، وهي عبارة عن تناقض يفرض نفسه فوق الهوية الوطنية والمنطق والأخلاق والعلم والإنسانية، ورغم ذلك هي الجاذب الأبرز في كل عملية انتخابية.!

وسنكتشف طبيعة العلاقات التحالفية المقبلة عبر البحث الاستقصائي في سياق مترابط، ولكن قبل ذلك ننقل لكم توصيفات مهمة لاهم متغيرين لم يحسما بعد، وإذا حصلا فسوف تتغير طبيعة التحالفات بشكل كبير، وهما:

المتغير الاول: تغير قواعد بناء التحالفات السياسية، ومن ثم معادلة السلطة، وبعد ذلك تشكيل الحكومة، من المحاصصة إلى أحد أشكال الديمقراطية، أو على الاقل احد اشكال الائتلافات الحكومية غير الجامعة لكل الأطراف الطائفية والقومية.

المتغير الثاني: عودة التيار الصدري الى العملية السياسية، وستشكل هذه العودة هزة كبيرة في طبيعة التحالفات السياسية، لما للتيار الصدري من ثقل سياسي وجماهيري في الحياة السياسية والاجتماعية العراقية.

هذه الدراسة استطلعت اراء المختصين في هذين الأمرين، وجاءت النتائج كالتالي:_

  • بالفعل يمثل تغيير قواعد ترتيب التحالفات خارج حسابات المحاصصة منعطفاً ايجابياً في العملية السياسية.
  • لا يوجد نشاط سياسي فعلي لدى القوى السياسية لاستبدال الاستقطاب المحاصصاتي بأي نوع من اشكال الديمقراطية الحقيقية،لان القوى السياسية ليس لديها جواذب اخرى. 
  •  يشترك المجتمع أو الجماهير المثقفة أو النخب المفكرةفي ابقاء مفعول المحاصصة في العملية السياسية نتيجة عدم رفع الوعي السياسي لها.
  • عودة التيار الصدري للعملية السياسية غير محسومة، ويكتنف مسار النشاط السياسي لزعيم التيار الصدري ضباب تشويشي مقصود.
  • لا توجد مؤشرات على دعم التيار الصدري لبدائل سياسية تقف بوجه القوى السياسية التي تستمر بالمحاصصة وتمتهن الفساد لتوسيع نفوذها.
  • عودة التيار الصدري، إذا لم تكن مدروسة، ولم تعمل قيادة التيار على صياغة مقاربات تحالفية رصينة، ربما ستذكي التجاذبات الشيعية – الشيعية، وبالنتيجة بقدر تأثير عودة التيار الصدري في تنشيط العملية الانتخابية، فأن هذه العودة ستستفز الضد النوعي له، ويخلق نمطاً استقطابياً مناكفاً يضفي حالة صراعية على المشهد العام.
  • وبالمحصلة النهائية اجمعت اراء المختصين على أن لا تغيير في السلوك المحاصصاتي، ولا توجد رؤية واضحة عن قرار الصدريين في المسار التحالفي المقبل.

لكن هذه الدراسة ستبقى تستقصي تأثيرات هذه المتغيرات على نحو الاحتمالات، ومن أهم هذه الاحتمالات هو شكل العودة الصدرية للعملية السياسية، إذ أن هذه العودة ستكون محكومة بثلاثة محددات نوعية، وهي:

اولاً: اذا عاد التيار الصدري للعملية السياسية فإنه لن يعود للمشاركة في المحاصصة، وهذا يعني ان تكون لديه خطة تحالفية مسبقة عابرة للطائفية قبل الانتخابات، وإلا ليس هناك فائدة من العودة الصدرية اذا كانت تغذي المسار المحاصصاتي.

ثانياً: اذا عاد الصدر للعملية السياسية وشارك في الانتخابات فيجب عليه ان لا يشارك في معادلة سلطة تجمعه مع من رفضهم سابقاً، اي قوى الاطار التنسيقي، لان في مشاركته لهم كسراً للقرار الاخلاقي الذي وضعه الصدر كقيد في رقبته للنأي بنفسه عن فسادهم وفشلهم وارتهانهم للخارج.

ثالثاً: اذا اراد التيار الصدري الفوز بالانتخابات باغلبية مريحة، وعزم على تشكيل الحكومة فيجب ان يتحالف مع اطراف سياسية تتشارك معه الرؤى الوطنية، في داخل البيئة الشيعية وخارجها، والا لا معنى لعودته وحيداً لان خصومه سيعيدون نفس الشعارات السابقة ضده من اجل افشاله.

مصير قوى الاطار التنسيقي

وفقاً لاخر المعلومات حول علاقات قوى الاطار التنسيقي فيما بينها، فإن الاطار التنسيقي سينقسم الى اربعة قوائم انتخابية تحالفية، وهي:

  •  إئتلاف دولة القانون وبضمنه النهج الوطني أو حزب الفضيلة المنحل
  • تحالف يضم جزء من الفصائل المسلحة والاحزاب التقليدية كعصائب اهل الحق وبدر والمجلس الاعلى (الحشد).
  • تكتل أو قائمة انتخابية يضم جزء من الفصائل المسلحة ككتائب حزب الله ونواب مستقلين مرتبطين بشخصيات اساسية في الحشد كأبي فدك المحمداوي (المقاومة).
  • تكتل يقوده السوداني ومن الممكن ان ينضم اليه تيار الحكمة وإئتلاف النصر وجزء من تحالف خدمات كأحمد الاسدي.

هذه القوى ستتنافس في بيئة واحدة، ودعاية وجواذب كل طرف منها ستوثر في الاطراف الاخرى، ومن غير المتوقع ان تستقطب اصواتاً من بيئات اخرى كالبيئة السنية، حتى ولو استقطبت قوى او شخصيات سنية، لكن من الممكن ان تستقطب بعض القوى والشخصيات المدنية أو الاحزاب الناشئة، وهذا الاستقطاب الاخير سيكون على اشده في التكتل الذي يقوده السوداني والحكيم والعبادي والاسدي.

المقومات الاساسية التحالفية لقوى الاطار التنسيقي

  • النفوذ السلطوي
  • الامكانيات المالية
  • العلاقات الخارجية
  • الفاعلية الطائفية والعشائرية

وهذه المقومات يتقاسمها كل قوى الاطار التنسيقي بنسب متفاوتة، لكن طرفاً سياسياً معيناً من الممكن ان يستحوذ عليها اكثر من الاطراف الاخرى، وهو تكتل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني فتصبح مميزات له دون الاطراف الاخرى، لانه يمسك بزمام السلطة ويتحكم بتدفق الاموال الحكومية.

ولذلك تم ملاحظة نسق سياسي واعلامي متصاعد لمنع السوداني من استخدام نفوذ ومقدرات الدولة في تحالفاته المقبلة، وما تعمل عليه اطراف سياسية في الاطار كدولة القانون وبعض قوى المقاومة لصد تغول السوداني:

  •  تأكيد وجود فساد في حكومة السوداني، وأطراف الاطار ماضية في هذا المسار.
  • تضخيم ملف شبكة جوحي، وهو ملف ضاغط بقوة على السوداني.
  • افشال دعاية الانجازات الخدمية.
  • تحييد الاطراف السياسية التقليدية من التحالف معه، وهذا ما يجري حالياً كمحاولات تحييد فالح الفياض المتقارب مع السوداني حالياً، وابعاده عن قيادة الحشد.
  • منع تواصل السوداني مع المستقلين والحركات الناشئة، أو شن حملات على نواب وشخصيات مدنية كالنائب سجاد سالم.
  • تثبيط التأثير الايجابي في العلاقات الخارجية لصالح الحكومة.
  • منع استفادة الكرد من حكومة السوداني.
  • منع تقديم السوداني تنازلات للسنة كاقرار قانون العفو العام.

ولربما سيبرز مميزاً اخر كعلامة فارقة لصالح السوداني وهو تفضيله من قبل ايران على حساب قوى وزعامات الاطار الاخرى، وذلك من اجل الاستفادة منه في التهدئة مع الولايات المتحدة الامريكية، ويغذي هذه الرغبة الايرانية رغبة السوداني في لعب هذا الدور بين طهران وواشنطن، وقد بذل اسماعيل قاأني جهوداً كبيرة مؤخراً للمصالحة بين السوداني والمالكي والخزعلي في فضيحة شبكة جوحي.

وعند نقطة اتاحة ايران الفرصة للسوداني ليكون مرشحها للولاية الثانية، سيبحث السوداني عن خطة تحالفية بديلة للتفوق على خطط الاضرار به التي ستمارسها باقي قوى وزعامات الاطار التنسيقي، وليس بالضرورة تكون خططه فائقة الجودة الى حد ضمان الولاية الثانية رغماً عن قوى الاطار، لكن على الاقل بذل جهود كافية لابقاءه على الطاولة كأحد الزعماء المحصنين.

موقف الكرد والسنة التحالفي في ضوء تطبيق الاتفاق السياسي والبرنامج الحكومي

لا يمكن فهم علاقات الكرد والسنة مع قوى الاطار التنسيقي إلا في ضوء المصالح المتبادلة المرحلية، ولذلك تحدث تقلبات في المواقف والتوجهات بشكل سريع، كما في مواقف رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي الذي تقلب بين التنسيق مع السوداني ثم مع المالكي واخيراً توافقت مصالحه مع قيس الخزعلي وبافل طالباني. اما الكرد فقد حققوا مكاسب كبيرة في حكومة السوداني وليس في وارد حساباتهم التخلي عن الوضع القائم، الا في حال تأكدهم من أن انتقالهم لوضع جديد سيوفر لهم على الاقل نفس المكاسب التي حققوها في ظل حكومة السوداني.

لقد حقق الإتفاق السياسي الذي تشكلت على اساسه حكومة السوداني مكاسب للبارتي واليكتي على حدٍ سواء، فالديمقراطي الكردستاني اخذ مكاسبه عن طريق حكومة السوداني، او عبر شخص السوداني نفسه، والاتحاد الوطني حقق مكاسبه من خلال علاقاته بقوى إطارية كعصائب اهل الحق. وبدرجة اقل من الكرد حقق السنة مكاسب محدودة عبر الاتفاق السياسي، ولكن بدت اغلب هذه المكاسب تذهب الى شخصيات محددة كخميس الخنجر ومثنى السامرائي، وقد يتأخر تنفيذ اتفاقات لصالح السنة كاقرار قانون العفو العام، ولكن القوى السنية تحضر نفسها جيداً -على اختلاف توجهاتها- لجولات تحالفية منسقة تستهدف فيها اعادة سلطتها على مناطقها، وهنا سيكون الهدف الرئيس لشكل التحالفات السنية هو (من يقدم لنا عرضاً يؤدي الى اعادة سلطتنا في مناطقنا). وهذا ما ستنظر له القوى الشيعية بحذر، لكن يبدو ان المالكي والسوداني هما الاقدر على التماهي مع هذا المطلب السُني في المرحلة الحالية، فهما من كانا الاكثر تأثيراً في عملية تحريك ملف رئيس مجلس النواب.

ومن الطبيعي ان ينقسم النسيج السياسي الكردي الى قسمين، (تصالحي – استعدائي) بإزاء الاستقطابات الشيعية، ولن يتفق هذا النسيج على أولويات محددة، وسيتحالف كل طرف منفرداً، وينقسم النسيج السني الى ثلاثة اقسام ( سنة الشيعة – سنة المصالح – سنة الخارج) ليتبلور في النهاية موقفاً موحداً يقدم متطلباته الى القوى الشيعية. 

دور الحركة المدنية والاحزاب الناشئة في التأثير على الخارطة التحالفية

تفتقر القوى المدنية والاحزاب الناشئة الى اربعة مقومات ومميزات نحظى بها القوى التقليدية:

  • ضعف البنية التنظيمية والجماهيرية والاعلامية
  • ضعف الأمكانيات المالية وغياب القدرة جمع التبرعات
  • عدم وجود حيز حكومي يساعدها في التأثير ويحميها من الاستهداف
  • غياب العلاقات الدولية

ولهذا يصعب على هذه القوى صياغة تحالفات تمكنها من تحقيق مكاسب انتخابية مميزة، ولذلك سيكون التحالف معها تجميلاً للعملية الانتخابية من قبل القوى التقليدية، بل وحتى من قبل التيار الصدري اذا عاد للعملية السياسية.

وبحسابات بسيطة لتقوية تحالفات القوى المدنية وتحقيقها انتصاراً كبيراً في الانتخابات فعليها ان تقوم بأربع خطوات حقيقية على ارض الواقع:

  • ان تتجمع وتتحالف فيما بينها باقصى ما تستطيع تحقيقه من فن التجمع.
  • ان تستجذب شخصيات مؤثرة وتقدمهم كممثلين موثوقين للمجتمع.
  • ان يكون لديها خطة مدروسة لجمع التبرعات والعمل الاعلامي والترويجي المنظم.
  • صياغة مشروع وطني وبرنامج انتخابي رصين. 

تأثير العوامل الخارجية والفواعل الاقليمية على مجمل خارطة التحالفات السياسية

يبدو ان تطورات الوضع الاقليمي الحاليةتصب تماماً في مصلحة القوى التي تتبنى الخطاب الطائفي، وتمجد وحدة الساحات، وتستقطب اعلامياً للتغطية على الفشل أو الضعف في العلاقات الدولية من النواحي الاستراتيجية.

بالنسبة لايران فلديها ثلاثة أولويات في خيار دعم تحالف معين، وبعض خياراتها قد تبدو متناقضة، ولكنها ليست كذلك لانها تراعي مصالحها ولا تفرض مبادئ معينة على حلفائها أو من تختارهم كشركاء لوكلائها المضمونين.

الاولوية الاولى: تحتاج ايران الى مركز قوي يعتمد عليه في مواجهة الاجندات الامريكية، وهذا ما توفره الفصائل المسلحة، فهي نواة اي تحالف مقبل داخل البيئة الشيعية، حتى ولو لم تمسك بالسلطة التفيذية، ويكفي ان تسيطر على البرلمان.

الاولوية الثانية: تحتاج ايران الى طرف مهادن مع الولايات المتحدة الامريكية، وتحتاج هذا الطرف ان يكون في السلطة التنفيذية ليكون واجهة المفاوضات والوساطات، وفي هذه المرحلة تفضل بقاء السوداني ليؤدي هذا الدور.

الاولوية الثالثة: تحتاج ايران الى تقوية طرف معادي لامريكا بدون تبنيه، بل يكفي ان توعز لوكلائها بالتحالف معه، للضغط من خلاله على واشنطن في العراق، وتفضل ان يكون هذا الطرف السياسي أو الديني سنياً لتوسيع مساحة الرفض للاجندات الامريكية في العراق.

اما واشنطن فلديها أولويتين في العراق حالياً:

الاولوية الاولى: الاستمرار بتحييد القوى المتطرفة (المليشياوية) من السيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة، والمحاولة الجادة لفصل موقع رئاسة مجلس الوزراء عن حاضنته السياسية.

الاولوية الثانية: دعم صعود الحركات المناوئة للقوى التقليدية في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، رغم ان واشنطن لم تقدم مساعدات كافية بهذا الخصوص.

وبالمحصلة فإن التأثيرات الخارجية والفواعل الاقليمية سيكون لها دور كبير في نسج التحالفات الانتخابية المقبلة.   

ملاحظات ختامية

تشارك مراكز صناعة الرأي العام في العالم كالمعاهد والمؤسسات والمراكز البحثية والاستطلاعية في صياغة مقاربات معقولة ومنطقية لتعريف الشعب أو شرائح منه بالاولويات التي يجب ان يطالب بها القوى السياسية في المواسم التحالفية والانتخابية، وبمعنى أوضح تجتهد هذه المراكز للتأثير في رؤية صانع القرار السياسي ومنفذيه لتقديم مصالح الشعب العليا على مصالح الاحزاب والجماعات السياسية. وهذا ما يفتقده العراق، فاغلب –إن لم نقل جميع- مراكز الدراسات ومؤسسات التنمية المختلفة يتركز عملها في دعم العملية السياسية أو الحكومة أو مملوكة للاحزاب، حتى لو قالت عن نفسها بأنها مستقلة، وهذا ما يعطل عملية الوعي العام ويجعل اغلبية المجتمع اسير التناقضات السياسية.

وعلى هذا الاساس يجب ان تنبثق من الأوساط النخبوية والاكاديمية والاعلامية رؤى متقدمة لصناعة رأي عام فوق المخططات والتحالفات السياسية، وتركز هذه الرؤى على:_

  • تأسيس وعي عام حول أولويات المرحلة، ومدى سعي القوى السياسية لتلبيتها، وحث المجتمع على الربط بين هذه الاولويات وتوجهات صانعي التحالفات السياسية.
  • النظر العميق والتفصيلي في المشاريعالخدمية والبرامج الانتخابية للتحالفات السياسية وترك الاستقطابات الطائفية والقومية والمناطقية والشعارات الفضفاضة، ففي هذا الاسلوب تعالي مميز على الانخداع بغير الانجازات الحقيقية التي يحتاجها المواطن.
  • حث المجتمع على معرفة السلوكيات القانونية للقوى السياسية والتفتيش في اتهامات وشبهات الفساد التي تدور حولها.

وبهذا تكون الاوساط النخبوية والاكاديمية والاعلامية قد اشركت الشعب فعلاً في عملية المراقبة والمحاسبة على نشاط القوى السياسية اثناء تكوينها لتحالفاتها الانتخابية.


مقالات ذات صلة